الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
مناسبته مع ما قبله تنصيف الصلاة لعارض إلا أن التنصيف هنا في خاص من الصلاة، وهو الظهر وفيما قبله في كل رباعية وتقديم العام هو الوجه ولسنا نعني أن الجمعة تنصيف الظهر بعينه بل هي فرض ابتداء نسبته النصف منها وهي فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها وقد أطال المحقق في فتح القدير في بيان دلائلها ثم قال، وإنما أكثرنا فيه نوعا من الإكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها ومنشأ غلطهم ما سيأتي من قول القدوري، ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة، ولا عذر له كره وجازت صلاته، وإنما أراد حرم عليه وصحت الظهر فالحرمة لترك الفرض، وصحة الظهر لما سنذكره، وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر وبإكفار جاحدها ا هـ. أقول: وقد كثر ذلك من جهلة زماننا أيضا ومنشأ جهلهم صلاة الأربع بعد الجمعة بنية الظهر، وإنما وضعها بعض المتأخرين عند الشك في صحة الجمعة بسبب رواية عدم تعددها في مصر واحد وليست هذه الرواية بالمختارة، وليس هذا القول أعني اختيار صلاة الأربع بعدها مرويا عن أبي حنيفة وصاحبيه حتى وقع لي أني أفتيت مرارا بعدم صلاتها خوفا على اعتقاد الجهلة بأنها الفرض، وأن الجمعة ليست بفرض وسنوضحه من بعد - إن شاء الله تعالى - وأما شرائطها فنوعان شرائط صحة وشرائط وجوب فالأول ستة كما ذكره المصنف: المصر والسلطان والوقت والخطبة والجماعة والأذان العام والثاني ستة أيضا كما سيأتي وهي بضم الميم وإسكانها وفتحها حكى ذلك الفراء والواحدي من الاجتماع كالفرقة من الافتراق أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف وجمعت فقيل: جمعات وجمع كذا في المغرب وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالباء الموحدة وأول من سماها يوم الجمعة كعب بن لؤي ولما {قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي راتونا» فكانت أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام بالمدينة. (قوله: شرط أدائها المصر) أي شرط صحتها أن تؤدى في مصر حتى لا تصح في قرية، ولا مفازة لقول علي رضي الله عنه لا جمعة، ولا تشريق، ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو في مدينة عظيمة رواه ابن أبي شيبة وصححه ابن حزم وكفى بقوله قدوة وإماما، وإذا لم تصح في غير المصر فلا تجب على غير أهله، وفي الخلاصة القروي إذا دخل المصر يوم الجمعة إن نوى أن يمكث فيه يوم الجمعة لزمته الجمعة، وإن نوى الخروج من ذلك المصر من يومه قبل دخول وقت الصلاة لا تلزمه وبعد دخول وقت الجمعة تلزمه قال الفقيه إن نوى الخروج من يومه ذلك، وإن كان بعد دخول وقت الجمعة لا تلزمه. المصري إذا أراد أن يسافر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر؛ لأن الجمعة إنما تجب في آخر الوقت، وهو مسافر في آخر الوقت والمسافر إذا قدم المصر يوم الجمعة على عزم أن لا يخرج يوم الجمعة لا تلزمه الجمعة ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يوما ا هـ. (قوله: وهو كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود) أي حد المصر المذكور هو ظاهر المذهب كما ذكره الإمام السرخسي زاد في الخلاصة ويشترط المفتي إذا لم يكن القاضي أو الوالي مفتيا وأسقط في الظهيرية الأمير فقال المصر في ظاهر الرواية أن يكون فيه مفت وقاض يقيم الحدود وينفذ الأحكام وبلغت أبنيته أبنية منى ا هـ. واحترز المصنف بقوله ويقيم الحدود عن المحكم والمرأة إذا كانت قاضية فإنهما لا يقيمان الحدود، وإن نفذ الأحكام واكتفى بذكر الحدود عن القصاص؛ لأن من ملك إقامتها ملكه كذا في فتح القدير وظاهره أن البلدة إذا كان قاضيها أو أميرها امرأة لا يكون مصرا فلا تصح إقامة الجمعة فيها والظاهر خلافه قال في البدائع وأما المرأة والصبي العاقل فلا تصح منها إقامة الجمعة؛ لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى إلا أن المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للإمامة حتى يصلي بهم الجمعة جاز؛ لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضية في الجملة فتصح إنابتها ا هـ. وفي حد المصر أقوال كثيرة اختاروا منها قولين: أحدهما ما في المختصر ثانيهما ما عزوه لأبي حنيفة أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره والناس يرجعون إليه في الحوادث قال في البدائع، وهو الأصح وتبعه الشارح، وهو أخص مما في المختصر، وفي المجتبى وعن أبي يوسف أنه ما إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم للصلوات الخمس لم يسعهم، وعليه فتوى أكثر الفقهاء وقال أبو شجاع هذا أحسن ما قيل فيه، وفي الولوالجية وهو الصحيح، وفي الخلاصة الخليفة إذا سافر، وهو في القرى ليس له أن يجمع بالناس، ولو مر بمصر من أمصار ولايته فجمع بها، وهو مسافر جاز. (قوله: أو مصلاه) أي مصلى المصر؛ لأنه من توابعه فكان في حكمه والحكم غير مقصور على المصلى بل يجوز في جميع أفنية المصر؛ لأنها بمنزلة المصر في حوائج أهله والفناء في اللغة سعة أمام البيوت وقيل ما امتد من جوانبه كذا في المغرب، واختلفوه فيما يكون من توابع المصر في حق وجوب الجمعة على أهله فاختار في الخلاصة والخانية أنه الموضع المعد لمصالح المصر متصل به، ومن كان مقيما في عمران المصر وأطرافه، وليس بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة فعليه الجمعة، ولو كان بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة من مزارع أو مراع كالقلع ببخارى لا جمعة على أهل ذلك الموضع، وإن سمعوا النداء والغلوة والميل والأميال ليس بشرط ا هـ. واختار في البدائع ما قاله بعضهم أنه إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا، قال وهذا أحسن ا هـ. واختار في المحيط اعتبار الميلين فقال وعن أبي يوسف في المنتقى لو خرج الإمام عن المصر مع أهله لحاجة مقدار ميل أو ميلين فحضرت الجمعة جاز أن يصلي بهم الجمعة، وعليه الفتوى؛ لأن فناء المصر بمنزلته فيما هو من حوائج أهله وأداء الجمعة منها ا هـ. وذكر الولوالجي في فتاويه أن المختار للفتوى قدر الفرسخ؛ لأنه أسهل على العامة، وهو ثلاثة أميال ا هـ. وذكر في المضمرات وقال الشيخ الإمام الأجل حسام الدين يجب على أهل المواضع القريبة إلى البلد التي هي توابع العمران الذين يسمعون الأذان على المنارة بأعلى الصوت، وهو الصحيح لزوما وإيجابا ا هـ. فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت ولعل الأحوط ما في البدائع فكان أولى وذكر في غاية البيان أن فناء المصر ملحق به في وجوب الجمعة لا في إتمام الصلاة بدليل أنه يقصر الصلاة فيه ذهابا وإيابا وفي المضمرات معزيا إلى فتاوى الحجة وجوب الجمعة على ثلاثة أقسام: فرض على البعض وواجب على البعض، وسنة على البعض أما الفرض فعلى الأمصار وأما الواجب فعلى نواحيها، وأما السنة فعلى القرى الكبيرة والمستجمعة للشرائط ا هـ. وفيه نظر؛ لأنها فرض على من هو من توابع الأمصار لا يجوز التخلف عنها وأما القرى، فإن أراد الصلاة فيها فغير صحيحة على المذهب، وإن أراد تكلفهم وذهابهم إلى المصر فممكن لكنه بعيد وأغرب من هذا ما في القنية من أنه يلزم حضور الجمعة في القرى، ويعمل بقول علي رضي الله عنه إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل سامع نكرا تطيق أن تسمعه عذرا ا هـ. وإن المذهب عدم صحتها في القرى فضلا عن لزومها، وفي التجنيس، ولا تجب الجمعة على أهل القرى، وإن كانوا قريبا من المصر؛ لأن الجمعة إنما تجب على أهل الأمصار. ا هـ. وفي فتح القدير، وقد وقع الشك في بعض قرى مصر مما ليس فيها وال وقاض نازلان بها بل لها قاض يسمى قاضي الناحية، وهو قاضي يولى الكورة بأسرها فيأتي القرية أحيانا فيفصل ما اجتمع فيها من التعلقات وينصرف ووال كذلك هل هو مصر نظرا إلى أن لها واليا أولا نظر إلى عدمهما بها والذي يظهر اعتبار كونهما مقيمين بها وإلا لم تكن قرية أصلا إذ كل قرية مشمولة بحكم، وقد يفرق بين قرية لا يأتيها حاكم يفصل بها الخصومات حتى يحتاجوا إلى دخول المصر في كل حادثة يفصلها، وبين ما يأتيها فيفصل فيها وإذا اشتبه على الإنسان ذلك فينبغي أن يصلي أربعا بعد الجمعية وينوي بها آخر فرض أدركت وقته، ولم أؤد بعد، فإن لم تصح الجمعة وقعت ظهره، وإن صحت كانت نفلا ا هـ. وفي القنية مصلي الجمعة في الرستاق لا ينوي الفرض بل ينوي صلاة الإمام ويصلي الظهر وأيهما قدم جاز ا هـ. (قوله: ومنى مصر لا عرفات) فتجوز الجمعة بمنى، ولا تجوز بعرفات أما الأول فهو قولهما وقال محمد لا تجوز بمنى كعرفات واختلفوا في بناء الخلاف فقيل: مبني على أنها من توابع مكة عندهما خلافا له وهذا غير سديد؛ لأن بينهما أربع فراسخ، وتقدير التوابع للمصرية غير صحيح والصحيح أنه مبني على أنها تتمصر في أيام الموسم عندهما؛ لأن لها بناء وتنقل إليها الأسواق ويحضرها وال وقاض بخلاف عرفات؛ لأنها مفازة فلا تتمصر باجتماع الناس وحضرة السلطان أطلق المصنف فشمل ما إذا كان المصلي بها الجمعة الخليفة أو أمير الحجاز أو أمير العراق أو أمير مكة أو أمير الموسم مقيما كان أو مسافرا، وقد أخرجوا منه أمير الموسم، وهو الذي أمر بتسوية أمور الحجاج لا غير فإنه لا يجوز له إقامتها سواء كان مقيما أو مسافرا إلا إذا كان مأذونا من جهة أمير العراق أو أمير مكة، وقيل إن كان مقيما يجوز، وإن كان مسافرا لا يجوز والصحيح هو الأول كذا في البدائع وشمل التجميع بها في غير أيام الموسم، وفي المحيط قيل: إنما تجوز الجمعة عندهما بمنى في أيام الموسم لا في غيرها، وقيل تجوز في جميع الأيام؛ لأن منى من فناء مكة ا هـ. وقد علمت فساد كونها من فناء مكة فترجح تخصيص جوازها بأيام الموسم وأنها تصير مصرا في تلك الأيام وقرية في غيرها قال في فتح القدير: وهذا يفيد أن الأولى في قرى مصر أن لا تصح فيها إلا حال حضور المتولي فإذا حضر صحت وإذا ظعن امتنعت ا هـ. وفي التجنيس، ولو نزل الخليفة أو والي العراق في المنازل التي في طريق مكة كالتغلبية ونحوها جمع؛ لأنها قرى تتمصر بمكان الحج فصار كمنى وأطلق في عرفات فشمل ما إذا كان الخليفة حاضرا بالإجماع كذا في البدائع، وإنما لا تقام صلاة العيد بمنى اتفاقا للتخفيف لا لكونها ليست مصرا. . (قوله: وتؤدى في مصر في مواضع) أي يصح أداء الجمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الأصح؛ لأن في الاجتماع في موضع واحد في مدينة كبيرة حرجا بينا، وهو مدفوع كذا ذكر الشارح وذكر الإمام السرخسي أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة جواز إقامتها في مصر واحد في مسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق: لا جمعة إلا في مصر شرط المصر فقط، وفي فتح القدير الأصح الجواز مطلقا خصوصا إذا كان مصرا كبيرا كمصر فإن في إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على الأكثر وذكر في باب الإمامة أن الفتوى على جواز التعدد مطلقا وبما ذكرناه اندفع ما في البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها في موضعين، ولا يجوز في أكثر من ذلك، وعليه الاعتماد ا هـ فإن المذهب الجواز مطلقا وإذا علمت ذلك فما في القنية ولما ابتلي أهل مرو بإقامة الجمعتين بها مع اختلاف العلماء في جوازهما ففي قول أبي يوسف والشافعي، ومن تابعهما باطلتان إن وقعتا معا وإلا فجمعة المسبوقين باطلة أمر أئمتهم بأداء الأربع بعد الجمعة حتما احتياطا ثم اختلفوا في نيتها والأحسن أن ينوي آخر ظهر عليه والأحوط أن يقول نويت آخر ظهر أدركت وقته، ولم أصله بعد؛ لأن ظهر يومه إنما يجب عليه بآخر الوقت في ظاهر المذهب، ثم اختلفوا في القراءة فقيل يقرأ الفاتحة والسورة في الأربع وقيل في الأوليين كالظهر، وهو اختياري، والمختار عندي أن يحكم فيها رأيه واختلفوا أنه هل يجب مراعاة الترتيب في الأربع بعد الجمعة بمرور العصر حسب اختلافهم في نيته، واختلفوا في سبق الجمعة بماذا يعتبر إذا اجتمعا في مصر واحد فقيل: بالشروع وقيل: بالفراغ وقيل بهما والأول أصح ا هـ. مبني كله على القول الضعيف المخالف للمذهب فليس الاحتياط في فعلها؛ لأنه العمل بأقوى الدليلين، وقد علمت أن مقتضى الدليل هو الإطلاق وأما ما استدل به من يمنع التعدد من أنها سميت جمعة لاستدعائها الجماعات فهي جامعة لها فلا يفيده؛ لأنه حاصل مع التعدد؛ ولهذا قال العلامة ابن جرباش في النجعة في تعداد الجمعة لا يقال: إن القول بالاجتماع المطلق قول بالاحتياط، وهو متعين في مثله ليخرج به المكلف عن عهدة ما كلف به بيقين؛ لأن الاجتماع أخص من مطلق الاجتماع، ووجود الأخص يستلزم وجود الأعم من غير عكس ولأن الاحتياط هو العمل بأقوى الدليلين، ولم يوجد دليل عدم جواز التعدد بل قضية الضرورة عدم اشتراطه، وقد قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} وقال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} ا هـ بلفظه مع ما لزم من فعلها في زماننا من المفسدة العظيمة، وهو اعتقاد الجهلة أن الجمعة ليست بفرض لما يشاهدون من صلاة الظهر فيظنون أنها الفرض، وأن الجمعة ليست بفرض فيتكاسلون عن أداء الجمعة فكان الاحتياط في تركها وعلى تقدير فعلها ممن لا يخاف عليه مفسدة منها فالأولى أن تكون في بيته خفية خوفا من مفسدة فعلها والله سبحانه الموفق للصواب. (قوله: والسلطان أو نائبه) معطوف على المصر، والسلطان هو الوالي الذي لا والي فوقه، وإنما كان شرطا للصحة؛ لأنها تقام بجمع عظيم وقد تقع المنازعة في التقديم والتقدم، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره ودخل تحت النائب العبد إذا قلد عمل ناحية فصلى بهم الجمعة جاز، ولا تجوز الأنكحة بتزويجه، ولا قضائه ودخل القاضي والشرطي لكن قال في الخلاصة وليس للقاضي أن يصلي الجمعة بالناس إذا لم يؤمر به ويجوز لصاحب الشرط، وإن لم يؤمر به وهذا في عرفهم ا هـ. وفيها والي مصر مات، ولم يبلغ الخليفة موته حتى مضت بهم جمع، فإن صلى بهم خليفة الميت أو صاحب الشرط أو القاضي أجزأهم، ولو اجتمعت العامة على تقديم رجل لم يأمره القاضي، ولا خليفة الميت لم يجز، ولم تكن جمعة، ولو لم يكن ثمة قاض ولا خليفة الميت فاجتمع العامة على تقديم رجل جاز للضرورة، ولو مات الخليفة، وله ولاة وأمراء على أشياء من أمور المسلمين كانوا على ولايتهم يقيمون الجمع ا هـ. وأطلق في السلطان فشمل العادل والجائر والمتغلب؛ ولهذا قال في الخلاصة: والمتغلب الذي لا عهد له أي لا منشور له إن كان سيرته فيما بين الرعية سيرة الأمراء ويحكم فيما بينهم بحكم الولاية تجوز الجمعة بحضرته ا هـ. والعبرة لأهلية النائب وقت الصلاة لا وقت الاستنابة حتى لو أمر الصبي أو الذمي وفوض إليهما الجمعة قبل يوم الجمعة فبلغ الصبي وأسلم الذمي كان لهما أن يصليا الجمعة، ولا ينافيه ما ذكره في الخلاصة قبله النصراني إذا أمر على مصر ثم أسلم ليس له أن يصلي الجمعة بالناس حتى يؤمر بعد الإسلام، وكذا الصبي إذا أمر ثم أدرك، وكذا لو استقضى صبي أو نصراني ثم أدرك الصبي وأسلم النصراني لم يجز حكمهما ا هـ. لأنه في الأول فوض إليه أمر الجمعة صريحا، وفي الثاني لا وظاهر ما في الخانية أن الفرق إنما هو قول بعض المشايخ وأن الراجح عدم الفرق؛ لأن التفويض وقع باطلا فعلى هذا المعتبر أهليته وقت الاستنابة، ولا خفاء في أن من فوض إليه أمر العامة في مصر فإن له أن يقيم الجمعة، وإن لم يفوضها إليه السلطان صريحا كما في الخلاصة من أن من فوض إليه أمر العامة من أصحاب السلطان فإن له إقامتها، ولا يخفى أن له الاستنابة كتولية خطيب في جامع كما هو الواقع في الأمصار وهذا متفق عليه، وإنما وقع الاشتباه في أن الخطيب المقرر من جهة الحاكم هل له أن يستنيب من غير ضرورة فصرح مثلا خسرو في شرح الدرر والغرر بأن الخطيب ليس له الاستنابة إلا أن يفوض إليه ذلك وهذا مما يجب حفظه والناس عنه غافلون ا هـ. وقد عمل بذلك بعض القضاة في زماننا حتى أخرج خطيبا من وظيفته بسبب استنابته من غير إذن، وفي النجعة في تعداد الجمعة للعلامة ابن جرباش أحد شيوخ مشايخي إن إذن السلطان أو نائبه إنما هو شرط لإقامتها عند بناء المسجد ثم بعد ذلك لا يشترط الإذن لكل خطيب فإذا قرر الناظر خطيبا في مسجد فله إقامتها بنفسه وبنائبه وأن الإذن منسحب لكل من خطب وعبارته والحاصل أن حق التقدم في إمامة الجمعة حق الخليفة إلا أنه لا يقدر على إقامة هذا الحق بنفسه في كل الأمصار فيقسمها غيره بنيابته فالسابق في هذه النيابة في كل بلدة الأمير الذي ولي على تلك البلدة ثم الشرطي ثم القاضي ثم الذي ولاه قاضي القضاة، وفي العتابية عن ابن المبارك الشرطي أولى من القاضي، وفي الخانية الإمام إذا أحدث بعدما صلى ركعة من الجمعة فتقدم واحد من القوم لا بتقديم أحد لا تجوز صلاتهم خلفه، وإن قدمه واحد من جماعة السلطان ممن فوض إليه أمر العامة يجوز وإذ قد عرفت هذا فيتمشى عليه ما وقع في زماننا هذا من استئذان السلطان في إقامة الجمعة فيما يستجد من الجوامع فإن إذنه بإقامتها في ذلك الموضع لربه مصحح لإذن رب الجامع لمن يقيمه خطيبا ولإذن ذلك الخطيب لمن عساه أن يستنيبه، ولا يكون ذلك إذنا لمجهول ليقع فاسدا على ما توهمه البعض؛ لأنه لا بد أن يسأل السلطان في ذلك شخص معين بالضرورة لنفسه أو لغيره، فبروز الإذن يكون على وجه التعيين لا محالة؛ لأن الإذن إن كان للسائل فظاهر وإن كان لغيره فكذلك؛ لأن إذنه يقع إذنا للمسئول له وهو معلوم عند السائل معين له بل للإمام أيضا؛ لأن السائل يجري ذكره عنده بما يصحح السؤال له، وهو كاف في صحة الإذن فإن مثل ذلك كاف في تولية القضاة والولاة، ألا ترى أن شخصا نائبا عن الإمام أو قريبا غائبا عن حضرته لو وصف له بأوصاف حميدة فولاه حال غيبته عنه صح، ولا يشترط معرفة شخصه في صحة توليته له فما بالك بما نحن فيه وإذا صح الإذن أعطي لمن أذن له حكم الوالي والقاضي في صحة الإقامة منه وممن يأذن له؛ لأن المصحح لصحتها ممن سوى الإمام من الإمام والشرطيين والقضاة إنما هو إقامة الإمام لهم وإذنه المحصل لدفع الفتنة الذي هو السبب الداعي لاشتراط الإمام في صحة إقامة الجمعة، وهو حاصل فيما ذكرنا فلا التفات لمتعنت - والله سبحانه وتعالى أعلم - ا هـ. كلامه، وهو كلام حسن لكنه لم يستند فيه إلى نقل عن المشايخ وظاهر كلامهم يدل عليه قال الولوالجي في فتاويه الإمام إذا خطب فأمر من لم يشهد الخطبة أن يجمع بهم فأمر ذلك الرجل من شهد الخطبة فجمع بهم جاز؛ لأن الذي لم يشهد الخطبة من أهل الصلاة فصح التفويض إليه لكنه عجز لفقد شرط الصلاة، وهو سماع الخطبة فملك التفويض إلى الغير، ولو جمع هو، ولم يأمر لغيره لا يجوز بخلاف ما لو شرع في الصلاة ثم استخلف من لم يشهد الخطبة فإنه يجوز وكذلك إن تكلم هذا المقدم فاستقبل بهم جاز؛ لأنه إنما يؤدي الصلاة بالتحريمة الأولى ا هـ. ووجه الدلالة أن الإمام إن كان المراد به نائب الوالي وهو الخطيب فقد جوز له الاستنابة في إقامة الجمعة، ولم يقيده بالحدث، ولا بالعذر وجوز لنائبه أن يستنيب مع أنه لم يفوض إليه ذلك صريحا، وإن كان المراد بالإمام الوالي فقد جوز لنائبه أن يستنيب، وكل منهما يدل على جواز الاستنابة للخطيب من غير إذن، وقال في الهداية من باب القضاء، وليس للقاضي أن يستخلف على القضاء إلا أن يفوض إليه ذلك بخلاف المأمور بإقامة الجمعة حيث له أن يستخلف؛ لأنه على شرف الفوات لتوقته فكان الأمر به إذنا بالاستخلاف دلالة ولا كذلك القضاء ا هـ. فقد جوز للمأموم بإقامتها الاستنابة، ولم يقيد بالعذر فدل على جوازها مطلقا وأما تقييد الشارح الزيلعي الاستخلاف بأن يكون أحدث فلا دليل عليه والظاهر من عباراتهم الإطلاق وذكر في البدائع أن كل من ملك إقامة صلاة الجمعة فإنه يملك إقامة غيره مقامه ا هـ. وهو صريح في جواز الاستنابة للخطيب مطلقا أو كالصريح فيه وأيضا ليس الحدث قبل الصلاة من الضروريات لإمكان أن يذهب الخطيب للوضوء ثم يأتي فيصلي، وقد اتفقت كلمتهم على أن له الاستخلاف بشرط أن يكون النائب شهد الخطبة ليكون كأن النائب خطب بنفسه، ولم يقيدوا بإذن الحاكم فدل على ما قلنا، وفي فتاوى الولوالجي إذا أحدث الإمام فقال لواحد فيهم اخطب، ولا تصل بهم فذهب، ولم يجئ أجزأه أن يخطب ويصلي بهم؛ لأنه نهاه عن الصلاة لكي يأتي فيصلي بهم فإذا لم يأت كان هذا تفويض الصلاة إليه، وقد وقع لبعض قضاة العساكر في زماننا بالقاهرة أنه كان يرى بأنه لا يصح تقريره في وظيفة الخطابة، وإنما يقرر فيها الحاكم، وهو المسمى بالباشا ولعله استند في ذلك إلى ما قدمناه عن الخلاصة من أن القاضي لا يقيمها إلا بإذن لكن قال في الظهيرية بعد نقل ما في الخلاصة وعن أبي يوسف أنه قال أما اليوم فالقاضي يصلي بهم الجمعة؛ لأن الخلفاء يأمرون القضاة أن يجمعوا بالناس لكن قيل أراد بهذا قاضي القضاة الذي يقال له قاضي قضاة الشرق والغرب كأبي يوسف في وقته أما في زماننا فالقاضي وصاحب الشرط لا يوليان ذلك ا هـ. فالحاصل أن السلطان إذا ولى إنسانا قاضي القضاة بمصر فإن له أن يولي الخطباء ولا يتوقف على إذن كما أن له أن يستخلف للقضاء، وإن لم يؤذن له مع أن القاضي ليس له الاستخلاف إلا بإذن السلطان؛ لأن توليته قاضي القضاة إذن بذلك دلالة كما صرح به في فتح القدير من باب القضاء لكن ذكر في التجنيس أن في إقامة الجمعة للقاضي روايتين وبرواية المنع يفتى في ديارنا إذا لم يؤمر به، ولم يكتب في منشوره وأشار المصنف رحمه الله تعالى إلى أن الإمام إذا منع أهل المصر أن يجمعوا لم يجمعوا كما أن له يمصر موضعا كان له أن ينهاهم قال الفقيه أبو جعفر هذا إذا نهاهم مجتهدا بسبب من الأسباب وأراد أن يخرج ذلك المصر من أن يكون مصرا أما إذا نهاهم متعنتا أو إضرارا بهم فلهم أن يجمعوا على رجل يصلي بهم الجمعة، ولو أن إماما مصر مصرا ثم نفر الناس عنه لخوف عدو أو ما أشبه ذلك ثم عادوا إليه فإنهم لا يجمعوا إلا بإذن مستأنف من الإمام كذا في الخلاصة ودل كلامهم أن النائب إذا عزل قبل الشروع في الصلاة ليس له إقامتها؛ لأنه لم يبق نائبا لكن شرطوا أن يأتيه الكتاب بعزله أو يقدم عليه الأمير الثاني، فإن وجد أحدهما فصلاته باطلة، فإن صلى صاحب شرط جاز؛ لأن عمالهم على حالهم حتى يعزلوا كذا في الخلاصة وبه علم أن الباشا بمصر إذا عزل فالخطباء على حالهم، ولا يحتاجون إلى إذن جديد من الثاني إلا إذا عزلهم وقيدنا بكونه علم العزل قبل الشروع؛ لأنه لو شرع ثم حضر وال آخر فإنه يمضي في صلاته كرجل أمره الإمام أن يصلي بالناس الجمعة ثم حجر عليه، وهو في الصلاة لا يعمل حجره؛ لأن شروعه صح، وإن حجر عليه قبل الشروع عمل حجره. (قوله: ووقت الظهر) أي شرط صحتها أن تؤدى في وقت الظهر فلا تصح قبله، ولا بعده؛ لأن شرعية الجمعة مقام الظهر على خلاف القياس؛ لأنه سقوط أربع بركعتين فتراعى الخصوصيات التي ورد الشرع بها مما لم يثبت دليل على نفي اشتراطها، ولم يصلها عليه السلام خارج الوقت في عمره ولا بدون الخطبة فيه فيثبت اشتراطهما وكون الخطبة في الوقت بخلاف ما قام الدليل على عدم اشتراطه ككونها خطبتين بينهما جلسة إلى غير ذلك مما هو مسنون أو واجب كما سيأتي بيانه. (قوله: فتبطل بخروجه) أي صلاة الجمعة بخروج وقت الظهر، ولو بعد القعود قدر التشهد لفوات شرطها فلا يبنى الظهر لاختلاف الصلاتين قدرا وحالا واسما أطلقه فشمل كل مصل لها؛ ولهذا قال في المحيط لو نام خلف الإمام في الجمعة، ولم ينتبه حتى خرج الوقت فسدت صلاته؛ لأنه لو أتم لصار قاضيا وقضاء الجمعة في غير وقتها لا يجوز، ولو انتبه في الوقت لم تفسد؛ لأنه صار مؤديا للجمعة في وقتها ا هـ. وفي تهذيب القلانسي من باب المواقيت، وفي الجمعة لو خرج وقت الظهر تنقلب تطوعا عند أبي حنيفة وعندهما يبطل أصلا ا هـ. ولا يخفى مخالفة أبي يوسف أصله هنا فإنه موافق للإمام في أنه إذا بطل الوصف لا يبطل الأصل، وفي السراج الوهاج معزيا إلى النوادر إمام صلى بالناس الجمعة فدخل معه رجل في الصلاة فزحمه الناس فلم يستطع الركوع والسجود حتى فرغ الإمام ودخل وقت العصر فإنه يتم الجمعة بغير قراءة بخلاف ما لو كان في الفجر والمسألة بحالها ثم طلعت الشمس حيث تفسد صلاته لعدم مصادفة الوقت وينبغي أن يكون ما في النوادر ضعيفا؛ لأن ما في المحيط يخالفه؛ لأنه لا فرق في اللاحق بين أن يكون عذره النوم أو الزحمة. (قوله: والخطبة قبلها) أي وشرط صحتها الخطبة وكونها قبل الصلاة لما قدمناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها دون الخطبة ونقل في فتح القدير الإجماع على اشتراط نفس الخطبة ولأنها شرط وشرط الشيء سابق عليه، ولو قال فيه أي في وقت الظهر لكان أولى؛ لأنه شرط حتى لو خطب قبله وصلى فيه لم تصح وشرط الشارح أن يكون بحضرة جماعة تنعقد بهم الجمعة، وإن كانوا صما أو نياما وظاهره أنه لا يكفي لوقوعها الشرط حضور واحد، وفي الخلاصة ما يخالفه فإنه قال لو خطب وحده، ولم يحضره أحد لا يجوز، وفي الأصل قال فيه روايتان، ولو حضر واحد أو اثنان وخطب وصلى بالثلاثة جاز، ولو خطب بحضرة النساء لم يجز إن كن وحدهن انتهى، وفي فتح القدير المعتمد أنه لو خطب وحده فإنه يجوز أخذا من قولهم يشترط عنده في التسبيحة والتحميدة أن يقال على قصد الخطبة فلو حمد لعطاس لا يجزي عن الواجب انتهى. وفيه نظر ظاهر؛ لأنه لا يدل على ما ذكره بشيء من أنواع الدلالات كما لا يخفى وصحح في الظهيرية أنه لو خطب وحده وأنه لا يجوز، وفي المضمرات معزيا إلى الزاد وهل تقوم الخطبة مقام الركعتين اختلف المشايخ منهم من قال تقوم؛ ولهذا لا تجوز إلا بعد دخول الوقت ومنهم من قال: لا تقوم، وهو الأصح؛ لأنه لا يشترط لها سائر شروط الصلاة من استقبال القبلة والطهارة وغير ذلك انتهى، وفي البدائع ثم هي وإن كانت قائمة مقام الركعتين شرط وليست بركن؛ لأن صلاة الجمعة لا تقام بالخطبة فلم تكن من أركانها ا هـ. وفي فتح القدير واعلم أن الخطبة شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا في حق كل من صلاها واشتراط حضور الواحد أو الجمع ليتحقق معنى الخطبة؛ لأنها من النسبيات فعن هذا قالوا: لو أحدث الإمام فقدم من لم يشهدها جاز أن يصلي بهم الجمعة؛ لأنه بنى تحريمته على تلك التحريمة المنشأة فالخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق من ينشئ التحريمة فقط، ألا ترى إلى صحتها من المقتدين الذين لم يشهدوا الخطبة فعلى هذا كان القياس فيما لو أفسد هذا الخليفة أن لا يجوز أن يستقبل بهم الجمعة لكنهم استحسنوا جواز استقباله بهم؛ لأنه لما قام مقام الأول التحق به حكما فلو فسد الأول استقبل بهم فكذلك الثاني فلو كان الأول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهد الخطبة لا يجوز ا هـ. ولم يشترط المصنف أنه يصلي عقب الخطبة بلا تراخ ففيه إشارة إلى أنه ليس بشرط فلذا قالوا: إن الخطبة تعاد على وجه الأولوية لو تذكر الإمام فائتة في صلاة الجمعة، ولو كانت الوتر حتى فسدت الجمعة لذلك فاشتغل بقضائها، وكذا لو كان أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها أو افتتح التطوع بعد الخطبة وإن لم يعد الخطبة أجزأه وكذا إذا خطب جنبا كذا في فتح القدير، ولم يفرق بين الفصل القليل والكثير وفرق بينهما في الخلاصة فقال: ولو خطب محدثا أو جنبا ثم توضأ أو اغتسل وصلى جاز، ولو خطب ثم رجع إلى بيته فتغدى أو جامع واغتسل ثم جاء استقبل الخطبة، وكذا في المحيط معللا بأن الأول من أعمال الصلاة بخلاف الثاني فإن ظاهره أن الاستقبال في الثاني لازم وإلا، فلا فرق بين الكل وقد صرح في السراج الوهاج بلزوم الاستئناف وبطلان الخطبة وهذا هو الظاهر؛ لأنه إذا طال الفصل لم يبق خطبة للجمعة بخلاف ما إذا قل وقد علم من تفاريعهم أنه لا يشترط في الإمام أن يكون هو الخطيب، وقد صرح في الخلاصة بأنه لو خطب صبي بإذن السلطان وصلى الجمعة رجل بالغ يجوز. (قوله: وسن خطبتان بجلسة بينهما وطهارة قائما) كما روي عن أبي حنيفة أنه قال ينبغي أن يخطب خطبة خفيفة يفتتح بحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ ويذكر ويقرأ سورة ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب خطبة أخرى يحمد الله تعالى ويثني عليه ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات كما في البدائع، وقد علم من هذا أنه لا يعظ في الثانية؛ ولهذا قال في التجنيس أن الثانية كالأولى إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ وظاهره أنه يسن قراءة آية في الثانية كالأولى. والحاصل كما في المجتبى أن الكلام في الخطبة في أربعة مواضع في الخطبة والخطيب والمستمع وشهود الخطبة أما الخطبة فتشتمل على فرض وسنة فأما الفرض فشيئان الوقت وذكر الله تعالى وأما سننها فخمسة عشر أحدها الطهارة حتى كرهت للمحدث والجنب وقال أبو يوسف لا يجوز وثانيها القيام وثالثها استقبال القوم بوجهه ورابعها قال أبو يوسف في الجوامع التعوذ في نفسه قبل الخطبة وخامسها أن يسمع القوم الخطبة، فإن لم يسمع أجزأه وسادسها ما روى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخطب خطبة خفيفة وهي تشتمل على عشرة: أحدها - البداءة بحمد الله وثانيها - الثناء عليه بما هو أهله وثالثها - الشهادتان ورابعها - الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وخامسها - العظة والتذكير وسادسها - قراءة القرآن وتاركها مسيء وروي: «أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيها سورة العصر ومرة أخرى {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون}، وأخرى {ونادوا يا مالك} وسابعها - الجلوس بين الخطبتين وثامنها - أن يعيد في الخطبة الثانية الحمد لله والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تاسعها - أن يزيد فيها الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وعاشرها - تخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل ويكره التطويل وأما الخطيب فيشترط فيه أن يتأهل للإمامة في الجمعة، والسنة في حقه الطهارة والقيام والاستقبال بوجهه للقوم وترك السلام من خروجه إلى دخوله في الصلاة وترك الكلام، وقال الشافعي إذا استوى على المنبر سلم على القوم وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام» يبطل ذلك وأما المستمع فيستقبل الإمام إذا بدأ بالخطبة وينصت، ولا يتكلم ولا يرد السلام، ولا يشمت، ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وقالا يصلي السامع في نفسه، وفي جواز قراءة القرآن وذكر الفقه والنظر فيه لمن يستمع الخطبة اختلاف المشايخ ويكره لمستمع الخطبة ما يكره في الصلاة كالأكل والشرب والعبث والالتفات، وأما التخطي فمكروه عند أبي حنيفة وقالا إنما يكره بعد خروج الإمام وقال الرازي إنما يجوز قبله إذا لم يؤذ أحدا فأما تخطي السؤال فمكروه في جميع الأحوال بالإجماع وأما شهود الخطبة فشرط في حق الإمام دون المأموم ا هـ. ما في المجتبى وأطلق المصنف في الجلسة، ولم يبين قدرها للاختلاف فعند الطحاوي مقدار ما يمس موضع جلوسه من المنبر، وفي ظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات كما في التجنيس وغيره ومن الغريب ما ذكره في السراج الوهاج أنه يستحب للإمام إذا صعد المنبر، وأقبل على الناس أن يسلم عليهم لأنه استدبرهم في صعوده ا هـ. ومن المستحب أن يرفع الخطيب صوته كما في السراج الوهاج ومنه أن يكون الجهر في الثانية دون الأولى كما في شرح الطحاوي، وفي التجنيس وينبغي أن تكون الخطبة الثانية الحمد لله نحمده ونستعينه إلى آخره؛ لأن هذا هو الثانية التي كان يخطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الخلفاء الراشدين مستحسن بذلك جرى التوارث ويذكر العمين ا هـ. ثم قولهم إن السنة في المستمع استقبال الإمام مخالف لما عليه عمل الناس من استقبال المستمع للقبلة؛ ولهذا قال في التجنيس والرسم في زماننا أن القوم يستقبلون القبلة قال؛ لأنهم لو استقبلوا الإمام لخرجوا في تسوية الصفوف بعد فراغه لكثرة الزحام وجزم في الخلاصة بأنه يستحب استقباله إن كان أمام الإمام، وإن كان عن يمين الإمام أو عن يساره قريبا من الإمام ينحرف إلى الإمام مستعدا للسماع ومن السنة أن يكون الخطيب على منبر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي المضمرات معزيا إلى روضة العلماء: الحكمة في أن الخطيب يتقلد سيفا ما قد سمعت الفقيه أبا الحسن الرستغفني يقول: كل بلدة فتحت عنوة بالسيف يخطب الخطيب على منبرها متقلدا بالسيف يريهم أنها فتحت بالسيف فإذا رجعتم عن الإسلام فذلك السيف باق في أيدي المسلمين نقاتلكم به حتى ترجعوا إلى الإسلام وكل بلدة أسلم أهلها طوعا يخطبون فيها بلا سيف ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم فتحت بالقرآن فيخطب الخطيب بلا سيف وتكون تلك البلدة عشرية ومكة فتحت بالسيف فيخطب مع السيف ا هـ. وهذا مفيد لكونه يتقلد بالسيف لا أنه يمسكه بيده كما هو المتعارف مع أن ظاهر ما في الخلاصة كراهة ذلك فإنه قال ويكره أن يخطب متكئا على قوس أو عصا لكن قال في الحاوي القدسي إذا فرغ المؤذنون قام الإمام والسيف بيساره، وهو متكئ عليه ا هـ. وهو صريح فيه إلا أن يفرق بين السيف وغيره، وفي المجتبى ويخطب بالسيف في البلدة التي فتحت بالسيف، وفي السراج الوهاج وأما الدعاء للسلطان في الخطبة فلا يستحب لما روي أن عطاء سئل عن ذلك فقال: إنه محدث، وإنما كانت الخطبة تذكيرا، وفي الخلاصة وغيرها الدنو من الإمام أفضل من التباعد على الصحيح ومنهم من اختار التباعد حتى لا يسمع مدح الظلمة في الخطبة؛ ولهذا اختار بعضهم أن الخطيب ما دام في الحمد والمواعظ فعليهم الاستماع فإذا أخذ في مدح الظلمة والثناء عليهم فلا بأس بالكلام حينئذ وحكي في الظهيرية والخانية عن إبراهيم النخعي وإبراهيم بن مهاجر أنهما كانا يتكلمان وقت الخطبة فقيل لإبراهيم النخعي في ذلك فقال: إني صليت الظهر في داري ثم رحت إلى الجمعة تقية؛ ولذلك تأويلان أحدهما أن الناس كانوا في ذلك الزمان فريقين فريق منهم لا يصلي الجمعة؛ لأنه كان لا يرى الجائر سلطانا وسلطانهم يومئذ كان جائرا فإنهم كانوا لا يصلون الجمعة من أجل ذلك وكان فريق منهم يترك الجمعة؛ لأن السلطان كان يؤخر الجمعة عن وقتها في ذلك الزمان فكانوا يأتون الظهر في دارهم ثم يصلون مع الإمام ويجعلونها سبحة أي نافلة ا هـ. وقد سمعت في زماننا أن بعضهم يترك الجمعة متأولا بالتأويل الأول وهو فاسد؛ لأن فاعله مجتهد رأى ذلك وأما المقلد لأبي حنيفة فحرام عليه ذلك؛ لأن مذهب إمامه أن الجائر سلطان كما قدمناه وفي أول التجنيس معزيا إلى الفقيه أبي الليث ينبغي أن يكون في مجلس الواعظ الخوف والرجاء، ولا يجعل كله خوفا ولا كله رجاء؛ لأنه ورد النهي عن ذلك ولأن الأول يفضي إلى القنوط والثاني إلى الأمن فيجمع بينهما وقال الإمام أبو بكر الرستغفني يجب أن يتكلم في الرحمة والرجاء لقوله عليه الصلاة والسلام: «يسروا، ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» ولأن من رجع إلى الباب بالكرامة يكون أثبت ا هـ. وفي القنية قال أبو يوسف في الجامع ينبغي للخطيب إذا صعد المنبر أن يتعوذ بالله في نفسه قبل الخطبة ا هـ. وفي ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم خطب على المنبر خطبة بضم الخاء وخطب المرأة خطبة بكسر الخاء قال الله تعالى: {من خطبة النساء}، وفي الحديث: «لا يخطبن أحدكم على خطبة أخيه» ا هـ. وفي الحاوي القدسي والسنة أن يكون جلوس الإمام في مخدعه عن يمين المنبر، فإن لم يكن ففي جهته أو ناحيته وتكره صلاته في المحراب قبل الخطبة وليلبسن السواد اقتداء بالخلفاء وللتوارث في الأعصار والأمصار ا هـ. ولم أر فيما عندي من كتب أئمتنا حكم المرقى الذي يخرج الخطيب من مخدعه ويقرأ الآية كما هو المعهود هل هو مسنون أم لا وفي البدائع ويكره للخطيب أن يتكلم في حال خطبته إلا إذا كان أمرا بمعروف فلا يكره لكونه منها، وفي خزانة الفقه لأبي الليث الخطب ثمان: خطبة الجمعة وخطبة عيد الفطر وخطبة عيد الأضحى وخطبة النكاح وخطبة الاستسقاء في قول أبي يوسف ومحمد وثلاث خطب في الحج واحدة منها بلا جلسة بمكة قبل يوم التروية بعد الظهر والثاني بعرفات قبل الظهر يجلس فيها جلسة خفيفة والثالثة بعد يوم النحر بيوم في منى يخطب خطبة واحدة بعد الظهر فيبدأ في ثلاث خطب منها بالتحميد وهي خطبة الجمعة والاستسقاء وخطبة النكاح وفي خمس يبدأ بالتكبير وهي خطبة عيد الفطر والأضحى وثلاث خطب الحج إلا أن الخطبة التي بمكة وعرفة يبدأ فيها بالتكبير ثم بالتلبية ثم بالخطبة ا هـ. (قوله: وكفت تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة) أي وكفى في الخطبة المفروضة مطلق ذكر الله تعالى على وجه القصد عند أبي حنيفة لإطلاقه في الآية الشريفة وقالا: الشرط أن يأتي بكلام يسمى خطبة في العرف وأقله قدر التشهد إلى عبده ورسوله تقييدا له بالمتعارف كما قالاه في القراءة وأبو حنيفة عمل بالقاطع والظني فقال بافتراض مطلق الذكر للآية وباستنان الخطبة المتعارفة لفعله عليه الصلاة والسلام تنزيلا للمشروعات على حسب أدلتها ويؤيده قصة عثمان المذكورة في كتب الفقه وهي أنه لما خطب في أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال: الحمد لله فأرتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب بعد وأستغفر الله لي ولكم ونزل وصلى بهم، ولم ينكر عليه أحد منهم فكان إجماعا وأرتج بالتخفيف على الأصح أي استغلق عليه الخطبة فلم يقدر على إتمامها كذا في المغرب ومراد عثمان بقوله إنكم إلى إمام إلى آخره أن الخلفاء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين تكون على كثرة المقال مع قبح الفعال فأنا، وإن لم أكن قوالا مثلهم فأنا على الخير دون الشر فأما أن يريد بهذا القول تفضيل نفسه على الشيخين فلا كذا في النهاية قيدنا الخطبة بالمفروضة؛ لأن المسنونة لا يكفي فيها مطلقه بل لا بد أن يأتي بما قدمناه وقيدنا بالقصد؛ لأنه لو عطس على المنبر فقال: الحمد لله على عطاسه لا ينوب عن الخطبة عند أبي حنيفة أيضا كما في التسمية على الذبيحة، وعن أبي حنيفة في رواية أخرى أنه يجزئه والفرق على هذه الرواية، وهو أن المأمور به في الخطبة الذكر مطلقا لقوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} وقد وجد، وفي باب الذبيحة المأمور الذكر عليه وذلك بأن يقصده والأول أصح كذا في التجنيس. (قوله: والجماعة وهم ثلاثة) أي شرط صحتها أن يصلي مع الإمام ثلاثة فأكثر لإجماع العلماء على أنه لا بد فيها من الجماعة كما في البدائع، وإنما اختلفوا في مقدارها فما ذكره المصنف قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف اثنان سوى الإمام؛ لأنهما مع الإمام ثلاثة، وهي جمع مطلق؛ ولهذا يتقدمهما الإمام ويصطفان خلفه، ولهما أن الجمع المطلق شرط انعقاد الجمعة في حق كل واحد منهم وشرط جواز صلاة كل واحد منهم ينبغي أن يكون سواه فيحصل هذا الشرط ثم يصلي، ولا يحصل هذا الشرط إلا إذا كان سوى الإمام ثلاثة إذ لو كان مع الإمام اثنان لم يوجد في حق كل واحد منهم الشرط بخلاف سائر الصلوات؛ لأن الجماعة فيها ليست بشرط كذا في البدائع أطلق الثلاثة فشمل العبيد والمسافرين والمرضى والأميين والخرس لصلاحيتهم للإمامة في الجمعة إما لكل واحد أو لمن هو مثل حالهم في الأمي والأخرس فصلحا أن يقتديا بمن فوقهما كذا في المحيط، ولا يرد عليه النساء والصبيان فإن الجمعة لا تصح بهم وحدهم لعدم صلاحيتهم للإمامة فيها بحال؛ لأن النساء خرجن بالتاء في ثلاثة أي ثلاثة رجال، وكذا الصبي؛ لأنه ليس برجل كامل والمطلق ينصرف إلى الكامل وشمل ثلاثة غير الثلاثة الذين حضروا الخطبة لما في التجنيس وغيره إذا خطب بحضرة جماعة ثم نفروا وجاء آخرون لم يشهدوا الخطبة فصلى بهم الجمعة أجزأهم. (قوله: فإن نفروا قبل سجوده بطلت) بيان لكون الجماعة شرط انعقاد الأداء لا شرط انعقاد التحريمة عند أبي حنيفة وعندهما شرط انعقاد التحريمة وفائدته أنهم لو نفروا بعد التحريمة قبل تقييد الركعة بالسجدة فسدت الجمعة ويستقبل الظهر عنده وعندهما يتم الجمعة؛ لأنها شرط انعقاد التحريمة في حق المقتدي فكذا في حق الإمام والجامع أن تحريمة الجمعة إذا صحت صح بناء الجمعة عليها؛ ولهذا لو أدركه إنسان في التشهد صلى الجمعة عنده، وهو قول أبي يوسف إلا أن محمدا تركه هنا لما سيأتي ولأبي حنيفة أن الجماعة في حق الإمام لو جعلت شرط انعقاد التحريمة لأدى إلى الحرج؛ لأن تحريمته حينئذ لا تنعقد بدون مشاركة الجماعة إياه فيها وذا لا يحصل إلا أن تقع تكبيراتهم مقارنة لتكبيرة الإمام، وأنه مما يتعذر مراعاته وبالإجماع ليس بشرط فإنهم لو كانوا حضروا وكبر الإمام ثم كبروا صح تكبيره وصار شارعا في الصلاة وصحت مشاركتهم إياه فلم يجعل شرط انعقاد التحريمة لعدم الإمكان فجعلت شرط انعقاد الأداء، وهو بتقييد الركعة بالسجدة؛ لأن الأداء فعل والحاجة إلى كون الفعل أداء للصلاة وفعل الصلاة هو القيام والقراءة والركوع والسجود؛ ولهذا لو حلف لا يصلي فما لم يقيد الركعة بسجدة لا يحنث فإذا لم يقيدها لم يوجد الأداء فلم ينعقد فشرط دوام مشاركة الجماعة الإمام إلى الفراغ عن الأداء، ولا معتبر ببقاء النسوان والصبيان، ولا بما دون الثلاث من الرجال؛ لأن الجمعة لا تنعقد بهم فلو قال: فإن نفر واحد منهم لكان أولى قيد بقوله قبل سجوده أي الإمام؛ لأنهم لو نفروا بعد سجوده فإنها لا تبطل عندنا خلافا لزفر بناء على أنها عنده شرط بقائها منعقدة إلى آخر الصلاة كالطهارة وستر العورة وعندنا ليست بشرط للبقاء لما عرف في البدائع ومن فروع المسألة ما لو أحرم الإمام، ولم يحرموا حتى قرأ وركع فأحرموا بعدما ركع، فإن أدركوه في الركوع صحت الجمعة لوجود المشاركة في الركعة الأولى وإلا فلا لعدمها بخلاف المسبوق فإنه تبع للإمام فيكتفي بالانعقاد في حق الأصل لكونه بانيا على صلاته، ولا يخفى أن مراد المصنف أنهم نفروا قبل سجوده، ولم يعودوا قبل سجوده وإلا فلو نفروا قبله وعادوا إليه قبله فلا فساد كما في الخلاصة وفيها وإذا كبر الإمام ومعه قوم متوضئون فلم يكبروا معه حتى أحدثوا ثم جاء آخرون وذهب الأولون جاز استحسانا، ولو كانوا محدثين فكبر ثم جاء آخرون استقبل التكبير ا هـ. (قوله: والإذن العام) أي شرط صحتها الأداء على سبيل الاشتهار حتى لو أن أميرا أغلق أبواب الحصن وصلى فيه بأهله وعسكره صلاة الجمعة لا تجوز كذا في الخلاصة، وفي المحيط، فإن فتح باب قصره وأذن للناس بالدخول جاز ويكره؛ لأنه لم يقض حق المسجد الجامع وعللوا الأول بأنها من شعائر الإسلام وخصائص الدين فيجب إقامتها على سبيل الاشتهار، وفي المجتبى فانظر إلى السلطان يحتاج إلى العامة في دينه ودنياه احتياج العامة إليه فلو أمر إنسانا يجمع بهم في الجامع، وهو في مسجد آخر جاز لأهل الجامع دون أهل المسجد إلا إذا علم الناس بذلك ا هـ. ولم يذكر صاحب الهداية هذا الشرط؛ لأنه غير مذكور في ظاهر الرواية، وإنما هو رواية النوادر كما في البدائع. (قوله: وشرط وجوبها: الإقامة والذكورة والصحة والحرية وسلامة العينين والرجلين) فلا تجب على مسافر، ولا على امرأة، ولا مريض، ولا عبد ولا أعمى، ولا مقعد؛ لأن المسافر يحرج في الحضور، وكذا المريض والأعمى والعبد مشغول بخدمة المولى والمرأة بخدمة الزوج فعذروا دفعا للحرج والضرر، ولم أر حكم الأعمى إذا كان مقيما بالجامع الذي تصلى فيه الجمعة، وأقيمت وهو حاضر هل تجب عليه لعدم الحرج أو لا، وإنما لم يذكر العقل والبلوغ والإسلام؛ لأنها شرط كل تكليف فلا حاجة إلى ذكرها هنا كما في الخلاصة وأما الشيخ الكبير الذي ضعف فهو ملحق بالمريض فلا يجب عليه، وفي فتح القدير والمطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط فلو قال المصنف وشرط وجوبها الإقامة والذكورة والصحة والحرية ووجود البصر والقدرة على المشي وعدم الحبس والخوف والمطر الشديد لكان أشمل وأشار المصنف باشتراط الحرية إلى عدم وجوبها على المكاتب والمأذون والعبد الذي حضر مع مولاه باب المسجد لحفظ الدابة، ولم يخل بالحفظ والعبد الذي يؤدي الضريبة لفقد الشرط لكن هل له صلاتها بغير إذن المولى قال في التجنيس وإذا أراد العبد أن يخرج إلى الجمعة أو إلى العيدين بغير إذن مولاه إن كان يعلم أن مولاه يرضى بذلك جاز وإلا فلا يحل له الخروج بغير إذنه؛ لأن الحق له في ذلك، ولو رآه فسكت حل له الخروج إليها؛ لأن السكوت بمنزلة الرضى وعن محمد في العبد يسوق دابة مولاه إلى الجامع فإنه يشتغل بالحفظ، ولا يصلي الجمعة؛ لأنه لم يوجد الرضا بأداء الجمعة والأصح أن له ذلك إذا كان لا يخل بحق المولى في إمساك دابته ا هـ. وفي السراج الوهاج، فإن أذن للعبد مولاه وجب عليه الحضور وقال بعضهم يتخير وصحح الوجوب على المكاتب ومعتق البعض، ولا يخفى ما فيه وجزم في الظهيرية في العبد الذي أذن له مولاه بالتخيير، وهو أليق بالقواعد فأشار باشتراط سلامة العينين إلى عدم وجوبها على الأعمى مطلقا أما إذا لم يجد قائدا فمجمع عليه، وإن وجده إما بطريق التبرع أو الإجارة أو معه مال يستأجره به فكذلك عند أبي حنيفة وعندهما تجب عليه وأشار باقتصاره على هذه الشروط إلى أنها لا تسقط عن الأجير، وفي الخلاصة وللمستأجر منع الأجير عن حضور الجمعة وهذا قول الإمام أبي حفص وقال الإمام أبو علي الدقاق ليس له أن يمنعه لكن تسقط عنه الأجرة بقدر اشتغاله بذلك إن كان بعيدا، وإن كان قريبا لا يحط عنه شيء، وإن كان بعيدا أو اشتغل قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة، فإن قال الأجير حط عني الربع بمقدار اشتغالي بالصلاة لم يكن له ذلك ا هـ. وظاهر المتون يشهد للدقاق، ولا حاجة إلى ذكر سلامة العينين والرجلين لدخولهما تحت الصحة كما وقع في كثير من الكتب مع أن ظاهر العبارة مشكل؛ لأنه يقتضي أن إحداهما لو لم تسلم فإنه لا تجب عليه صلاة الجمعة مع أن الأمر بخلافه؛ لأنه ليس بأعمى، ولا بمقعد فلو قال ووجود البصر والقدرة على المشي لكان أولى إلا أن يقال إن الألف واللام إذا دخلت على المثنى أبطلت معنى التثنية كالجمع فصار بمعنى المفرد وألحق بالمريض الممرض، وفي السراج الوهاج الأصح أنه إن بقي المريض ضائعا بخروجه لم يجب عليه، وفي التجنيس الرجل إذا أراد السفر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر؛ لأن الوجوب بآخر الوقت وآخر الوقت هو مسافر فلم يجب عليه صلاة الجمعة قال رضي الله عنه وحكي عن شمس الأئمة الحلواني أنه كان يقول لي في هذه المسألة إشكال، وهو أن اعتبار آخر الوقت إنما يكون فيما ينفرد بأدائه، وهو سائر الصلوات فأما الجمعة لا ينفرد هو بأدائها، وإنما يؤديها الإمام والناس فينبغي أن يعتبر وقت أدائهم حتى إذا كان لا يخرج من المصر قبل أداء الناس ينبغي أن يلزمه شهود الجمعة. (قوله: ومن لا جمعة عليه إن أداها جاز عن فرض الوقت)؛ لأنهم تحملوه فصاروا كالمسافر إذا صام وأشار بقوله جاز عن الفرض إلى أنهم أهل للتكليف فلا يرد عليه الصبي والمجنون، وإن دخلا تحت قوله، ومن لا جمعة عليه؛ ولهذا فصل في البدائع فيمن لا جمعة عليه فقال: إن كان صبيا وصلاها فهي تطوع له وإن كان مجنونا فلا صلاة له أصلا وأما من كان أهلا للوجوب كالمريض والمسافر والمرأة والعبد يجزئهم ويسقط عنهم الظهر قيد بالجمعة؛ لأن من لا حج عليه إذا أدى الحج، فإن كان لفقد المال فإن الحج يسقط عنه حتى لو أيسر بعده فإنه لا حج عليه لما ذكرنا، وإن كان لعدم أهليته كالعبد إن أدى الحج مع مولاه فإنه لا يحكم بجوازه فرضا حتى يؤاخذ بحجة الإسلام بعد حريته والفرق أن المنع من الجمعة كان نظرا للمولى النظر هاهنا في الحكم بالجواز؛ لأنا لو لم نجوز، وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانيا فينقلب النظر ضررا وذا ليس بحكمة فتبين في الآخرة أن النظر في الحكم بالجواز فصار مأذونا دلالة كالعبد المحجور عليه إذا أجر نفسه أنه لا يجوز، ولو سلم من العمل يجوز ويجب عليه كمال الأجرة لما ذكرنا كذا هذا بخلاف الحج فإن هناك لا يتبين أن النظر للمولى في الحكم بالجواز؛ لأنه لا يؤاخذ للحال بشيء آخر إذا لم يحكم بجوازه بل يخاطب بحجة الإسلام بعد الحرية فلا يتعطل على المولى منافعه كذا في البدائع، ولم أر نقلا صريحا هل الأفضل لمن لا جمعة عليه صلاة الجمعة أو صلاة الظهر لكن ظاهر الهداية والعناية وغاية البيان أن الأفضل لهم صلاة الجمعة؛ لأنهم ذكروا أن صلاة الظهر لهم يوم الجمعة رخصة فدل أن العزيمة صلاة الجمعة وينبغي أن يستثنى منه المرأة فإن صلاتها في بيتها أفضل والله سبحانه وتعالى أعلم. (قوله: وللمسافر والعبد والمريض أن يؤم فيها) أي في الجمعة وقال زفر لا يجزئه؛ لأنه لا فرض عليه وأشبه الصبي والمرأة ولنا أن هذه رخصة فإذا حضروا تقع فرضا على ما بينا أما أداء الصبي فمسلوب الأهلية، والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال. (قوله: وتنعقد بهم) أي الجمعة بالمسافر والعبد والمريض للإشارة إلى رد قول الشافعي أن هؤلاء تصح إمامتهم لكن لا يعتد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وذلك؛ لأنهم لما صلحوا للإمامة فلأن يصلحوا للاقتداء أولى كذا في العناية. (قوله: ومن لا عذر له لو صلى الظهر قبلها كره) أي حرم قطعا، وإنما ذكر الكراهة اتباعا للقدوري مع أنه مما لا ينبغي فإنه أوقع بعض الجهلة في ضلالة من اعتقاد جواز تركها، وقد قدمنا أن من أنكر فريضتها فهو كافر بالله تعالى قال في فتح القدير لا بد من كون المراد حرم عليه ذلك وصحت؛ لأنه ترك الفرض القطعي باتفاقهم الذي هو آكد من الظهر فكيف لا يكون مرتكبا محرما غير أن الظهر تقع صحيحة ا هـ. فالحاصل أن فرض الوقت هو الظهر عندنا بدلالة الإجماع على أن بخروج الوقت يصلي الظهر بنية القضاء فلو لم يكن أصل فرض الوقت الظهر لما نوى القضاء ثم هو مأمور بإسقاطه والإتيان بالجمعة وعند زفر فرض الوقت هو الجمعة وفائدة الاختلاف تظهر في ثلاثة أحدها في هذه المسألة ثانيها لو نوى فرض الوقت يصير شارعا في الظهر عندنا وعنده في الجمعة ثالثها لو تذكر فائتة عليه وكان لو اشتغل بالقضاء تفوته الجمعة دون الظهر فإنه يقضي ويصلي الظهر بعده عندنا وعنده يصلي الجمعة، ولو كان بحال تفوته الظهر والجمعة لا يقضيها اتفاقا كذا في أكثر الكتب وفي المحيط ذكر ثلاثة أقوال عندهما فرض الوقت الظهر لكن العبد مأمور بإسقاطه عنه بأداء الجمعة وعند محمد الفرض هو الجمعة، وله أن يسقط بالظهر رخصة وروي عنه الفرض أحدهما لا بعينه ويتعين ذلك بأدائه وعند زفر والشافعي الفرض هو الجمعة والظهر بدل عنها في حق المعذور ا هـ. وقد ظهر للعبد الضعيف صحة كلام القدوري ومن تبعه في التعبير بالكراهة؛ لأن صلاة الظهر قبل أداء الجمعة من الإمام ليست مفوتة للجمعة حتى تكون حراما إنما المفوت لها عدم سعيه فإن سعيه بعد صلاة الظهر إليها فرض كما صرحوا به، فإن لم يسع فقد فوتها فحرم عليه ذلك وأما الصلاة، وأنها مكروهة فقط باعتبار أنها قد تكون سببا للتفويت باعتبار اعتماده عليها، وهم إنما حكموا على صلاة الظهر بالكراهة، ولم يقل أحد إن ترك الجمعة بغير عذر مكروه حتى يلزم ما ذكر من الإيقاع في جهالة فقوله في فتح القدير؛ لأن ترك الفرض القطعي ممنوع لما علمت أنه لا يلزم من صلاة الظهر ترك الفرض - والله سبحانه الموفق للصواب - قيد بقوله قبلها؛ لأنه لو صلى الظهر في منزله بعدما صلى الإمام الجمعة يجوز اتفاقا بلا كراهة كذا في غاية البيان مع أنه قد فوت الجمعة فنفس الصلاة غير مكروهة وتفويت الجمعة حرام، وهو مؤيد لما قلنا وقيد بقوله لا عذر له؛ لأن المعذور إذا صلى الظهر قبل الإمام فلا كراهة اتفاقا. (قوله: فإن سعى إليها بطل) أي الظهر المؤدى عند أبي حنيفة بمجرد السعي إليها؛ لأنه مأمور بعد صلاة الظهر ينقضها بالذهاب إلى الجمعة فالذهاب إليها شروع في طريق نقضها المأمور به فيحكم بنقضها به احتياطا لترك المعصية وقالا لا تبطل حتى يدخل مع الإمام واختلفوا في معنى السعي إليها والمختار أنه الانفصال عن داره حتى لا يبطل قبله على المختار؛ لأن السعي الرافض لها هو السعي إليها على الخصوص ومثل ذلك السعي إنما يكون بعد خروجه من باب داره والمراد من السعي المشي لا الإسراع فيه، وإنما عبروا به اتباعا للآية وقيد بقوله سعى؛ لأنه لو كان جالسا في المسجد بعدما صلى الظهر فإنه لا يبطل حتى يشرع مع الإمام اتفاقا كذا في الحقائق وقيد بقوله إليها؛ لأنه لو خرج لحاجة أو خرج، وقد فرغ الإمام لم يبطل ظهره إجماعا فالبطلان به مقيد بما إذا كان يرجو إدراكها بأن خرج والإمام فيها أو لم يكن شرع وأطلق فشمل ما إذا لم يدركها لبعد المسافة مع كون الإمام فيها وقت الخروج أو لم يكن شرع، وهو قول البلخيين قال في السراج الوهاج، وهو الصحيح؛ لأنه توجه إليها وهي لم تفت بعد حتى لو كان بيته قريبا من المسجد وسمع الجماعة في الركعة الثانية وتوجه بعدما صلى الظهر في منزله بطل الظهر على الأصح أيضا لما ذكرنا، وفي النهاية إذا توجه إليها قبل أن يصليها الإمام ثم إن الإمام لم يصلها لعذر أو لغيره اختلفوا في بطلان ظهره والصحيح أنها لا تبطل، وكذا لو توجه إليها والإمام والناس فيها إلا أنهم خرجوا منها قبل إتمامها لنائبة فالصحيح أنه لا يبطل ظهره، ثم اعلم أن الضمير المستتر في قوله سعى يعود إلى مصلي الظهر لا إلى من لا عذر له ليكون أفيد وأشمل فإنه لا فرق بين المعذور وغيره في بطلان ظهره بسعيه كما في غاية البيان والسراج الوهاج لكن التعليل المذكور أولا لا يشمله؛ لأن المعذور ليس بمأمور بالسعي إليها مطلقا فكيف يبطل به فينبغي أن لا يبطل الظهر بالسعي، ولا بشروعه في صلاة الجمعة؛ لأن الفرض قد سقط عنه، ولم يكن مأمورا بنقضه فتكون الجمعة نفلا منه كما قال به زفر والشافعي وظاهر ما في المحيط أن ظهره إنما يبطل بحضوره الجمعة لا بمجرد سعيه كما في غير المعذور وهو أخف إشكالا وأسند المصنف البطلان إلى الظهر ليفيد أن أصل الصلاة لم يبطل فينقلب نفلا كما في السراج الوهاج وذكر في الظهيرية والخلاصة الرستاقي إذا سعى يوم الجمعة إلى مصر يريد به إقامة الجمعة وإقامة حوائج نفسه في المصر ومعظم مقصوده إقامة الجمعة ينال ثواب السعي إلى الجمعة، وإن كان قصده إقامة الحوائج لا غير أو كان معظم مقصودة إقامة الحوائج لا ينال ثواب السعي إلى الجمعة ا هـ. وبهذا يعلم أن من شرك في عبادته فإن العبرة للأغلب وقيد بسعي المصلي؛ لأن المأموم لو لم يسع إليها وسعى إمامه فإنه لا يبطل ظهر المأموم، وإن بطل ظهر إمامه؛ لأن بطلانه في حق الإمام بعد الفراغ فلا يضر المأموم كما صرح به في المحيط. (قوله: وكره للمعذور والمسجون أداء الظهر بجماعة في المصر)؛ لأن المعذور، وقد يقتدي به غيره فيؤدي إلى تركها، وما علل به في الهداية أولا بقوله لما فيه من الإخلال بالجمعة إذ هي جامعة للجماعات مبني على عدم جواز تعددها في مصر واحد، وهو خلاف المنصوص عليه رواية ودراية قيد بالمصر؛ لأن الجماعة غير مكروهة في حق أهل السواد؛ لأنه لا جمعة عليهم وأفاد بالكراهة أن الصلاة صحيحة لاستجماع شرائطها، وفي فتاوى الولوالجي قوم لا يجب عليهم أن يحضروا الجمعة لبعد الموضع صلوا الظهر جماعة؛ لأنه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة في الجمعة ا هـ. فإن كانوا في السواد فظاهر، وإن كانوا في المصر فهي مستثناة من كلام المصنف، ولو حذف المصنف المعذور والمسجون لكان أولى فإن أداء الظهر بجماعة مكروه يوم الجمعة مطلقا قال في الظهيرية جماعة فاتتهم الجمعة في المصر فإنهم يصلون الظهر بغير أذان، ولا إقامة، ولا جماعة ا هـ. وذكر الولوالجي، ولا يصلي يوم الجمعة جماعة في مصر، ولا يؤذن، ولا يقيم في سجن وغيره لصلاة، ولو زاد أو أداؤه منفردا قبل صلاة الإمام لكان أولى لما في الخلاصة ويستحب للمريض أن يؤخر الصلاة إلى أن يفرغ الإمام من صلاة الجمعة وإن لم يؤخره يكره هو الصحيح ا هـ. ولعله إما لاحتمال أن يقتدي به غيره فيؤدي إلى تركها أو يعافى فيحضرها وقد اقتصر في المجتبى على الثاني، وإنما صرح بالمسجون مع دخوله في المعذور للاختلاف في أهل السجن فإن في السراج الوهاج أن المسجونين إن كانوا ظلمة قدروا على إرضاء الخصوم، وإن كانوا مظلومين أمكنهم الاستغاثة وكان عليهم حضور الجمعة وقيد بالجماعة لما في التفاريق أن المعذور يصلي الظهر بأذان وإقامة وإن كان لا تستحب الجماعة وقيد بالظهر؛ لأن في غيرها لا بأس أن يصلوا جماعة وأشار المصنف إلى أن المساجد تغلق يوم الجمعة إلا الجامع لئلا يجتمع فيها جماعة كذا في السراج الوهاج وظاهر كلامهم أن الكراهة في مسألة الكتاب تحريمية؛ لأن الجماعة مؤدية إلى الحرام وما أدى إليه فهو مكروه تحريما. (قوله: ومن أدركها في التشهد أو في سجود السهو أتم جمعة) يعني عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر؛ لأنه جمعة من وجه ظهر من وجه لفوات بعض الشرائط في حقه فيصلي أربعا اعتبارا للظهر ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية، ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى تشترط نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه لما ذكر؛ لأنهما مختلفان لا ينبني أحدهما على تحريمة الآخر ووجود الشرائط في حق الإمام يجعل موجودا في حق المسبوق وأشار المصنف رحمه الله إلى أنه لا بد أن ينوي الجمعة دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه كذا في المبسوط، وفي المضمرات أنه مجمع عليه وأشار أيضا إلى أن الإمام يسجد للسهو وفي الجمعة والعيدين والمختار عند المتأخرين أن لا يسجد في الجمعة والعيدين لتوهم الزيادة من الجهال كذا في السراج الوهاج وغيره ثم إذا قام هذا المسبوق إلى قضائه كان مخيرا في القراءة إن شاء جهر، وإن شاء خافت كذا في السراج الوهاج أيضا، وفي المجتبى، ولو زحمه الناس فلم يستطع السجود فوقف حتى سلم الإمام فهو لاحق يمضي في صلاته بغير قراءة ا هـ. وقيدنا الجمعة؛ لأن من أدرك الإمام في صلاة العيد في التشهد فإنه يتم العيد اتفاقا كذا في فتح القدير من صلاة العيد، وذكر في السراج أن عند محمد لم يصر مدركا للعيد، وفي الظهيرية معزيا إلى المنتقى مسافر أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد يصلي أربعا بالتكبير الذي دخل فيه ا هـ. وهو مخصص لما في المتون مقتض لحملها على ما إذا كانت الجمعة واجبة على المسبوق أما إذا لم تكن واجبة فإنه يتم ظهرا. (قوله: وإذا خرج الإمام فلا صلاة، ولا كلام) لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام وقول الصحابي حجة ولأن الكلام يمتد طبعا فيخل بالاستماع والصلاة قد تستلزمه أيضا وبه اندفع قولهما أنه لا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر وأجمعوا أن الخروج قاطع للصلاة، وفي العيون المراد إجابة المؤذن أما غيره من الكلام فيكره إجماعا كذا في السراج الوهاج وفسر الشارح الخروج بالصعود على المنبر وهكذا في المضمرات وذكر في السراج الوهاج يعني خرج من المقصورة وظهر عليهم وقيل صعد المنبر، فإن لم يكن في المسجد مقصورة يخرج منها لم يتركوا القراءة والذكر إلا إذا قام الإمام إلى الخطبة ا هـ. وفي شرح المجمع عباره الخروج واردة على عادة العرب من أنهم يتخذون للإمام مكانا خاليا تعظيما لشأنه فيخرج منه حين أراد الصعود هكذا شاهدناه في ديارهم، والقاطع في ديارنا يكون قيام الإمام للصعود ا هـ. فالحاصل أن الإمام إن كان في خلوة فالقاطع انفصاله عنها وظهوره للناس وإلا فقيامه للصعود وأطلق في الصلاة فشمل السنة وتحية المسجد ويدل عليه الحديث: «إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت» فإنه يفيد بطريق الدلالة منعهما بالأولى؛ لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد، وما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما» فمحمول على ما قيل تحريم الكلام فيها دفعا للمعارضة، وجوابهم بحمله على ما إذا أمسك عن الخطبة حتى يفرغ من صلاته كما أجابوا به في واقعة سليك الغطفاني فغير مناسب لمذهب الإمام لما علمت أنه يمنع الصلاة بمجرد خروجه قبل الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة، وفي فتح القدير، ولو خرج وهو في السنة يقطع على ركعتين ا هـ. وهو قول ضعيف وعزاه قاضي خان إلى النوادر قال فإذا قطع يلزمه أربع ركعات، والصحيح خلافه كما في المحيط قال الولوالجي في فتاويه إذا شرع في الأربع قبل الجمعة ثم افتتح الخطبة أو الأربع قبل الظهر ثم أقيمت هل يقطع على رأس الركعتين تكلموا فيه والصحيح أنه يتم، ولا يقطع؛ لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة ا هـ. وكذا في المبتغى بالغين المعجمة، ولا يرد عليه قضاء فائتة لم يسقط الترتيب بينهما وبين الوقتية فإنها لا تكره كما في السراج الوهاج؛ لأنه أطلق فيها لما قدمه أن الترتيب واجب بمعنى الشرط، وأطلق في منع الكلام فشمل الخطيب قال في البدائع: ويكره للخطيب أن يتكلم في حال الخطبة إلا إذا كان أمرا بمعروف فلا يكره لما روي أن عمر كان يخطب يوم الجمعة فدخل عليه عثمان فقال له أية ساعة هذه؟ فقال له: ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال والوضوء أيضا، وقد علمت أن رسول الله أمر بالاغتسال ا هـ. فاستفيد منه أنه لا يسلم إذا صعد المنبر وروي أنه يسلم كما في السراج الوهاج وشمل التسبيح والذكر والقراءة، وفي النهاية اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة قال بعضهم إنما كان يكره ما كان من كلام الناس أما التسبيح ونحوه فلا وقال بعضهم كل ذلك مكروه، والأول أصح ا هـ. وكذا في العناية وذكر الشارح أن الأحوط الإنصات ا هـ. ويجب أن يكون محل الاختلاف قبل شروعه في الخطبة ويدل عليه قوله على قول أبي حنيفة وأما وقت الخطبة فالكلام مكروه تحريما، ولو كان أمرا بمعروف أو تسبيحا أو غيره كما صرح به في الخلاصة وغيرها وزاد فيها أن ما يحرم في الصلاة يحرم في الخطبة من أكل وشرب وكلام وهذا إن كان قريبا، فإن كان بعيدا فقد تقدم من المصنف أن النائي كالقريب، وهو الأحوط في المحيط، وهو الأصح وأما دراسة الفقه والنظر في كتب الفقه ففيه اختلاف وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ويصححه وقت الخطبة، ولو لم يتكلم لكن أشار بيده أو بعينه حين رأى منكرا الصحيح أنه لا بأس به وشمل تشميت العاطس ورد السلام وعن أبي يوسف لا يكره الرد، وهو خلاف المذهب واختلفوا في الحمد إذا عطس السامع وصححوا أنه يرد في نفسه لكن ذكر الولوالجي أن الأصوب أنه لا يجب فيهما؛ لأنه يختل الإنصات وأنه مأمور به، وعليه الفتوى وكذا اختلفوا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه والصواب أنه يصلي في نفسه كما في فتح القدير، ولا يرد على المصنف لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا تدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة؛ لأن ذلك يجب لحق آدمي، وهو محتاج إليه، والإنصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة كما في السراج الوهاج، وفي المجتبى الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب والأصح الاستماع إلى الخطبة من أولها إلى آخرها، وإن كان فيها ذكر الولاة ا هـ. ثم اعلم أن ما تعورف من أن المرقى للخطيب يقرأ الحديث النبوي وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون للصحابة بالرضى وللسلطان بالنصر إلى غير ذلك فكله حرام على مقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأغرب منه أن المرقى ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى الحديث الذي يقرؤه ثم يقول: أنصتوا رحمكم الله، ولم أر نقلا في وضع هذا المرقى في كتب أئمتنا. (قوله: ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول) لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع}، وإنما اعتبر الأذان الأول لحصول الإعلام به ومعلوم أنه بعد الزوال إذ الأذان قبله ليس بأذان وهذا القول هو الصحيح في المذهب وقيل العبرة للأذان الثاني الذي يكون بين يدي المنبر؛ لأنه لم يكن في زمنه عليه الصلاة والسلام إلا هو، وهو ضعيف؛ لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية ومن الاستماع بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة، وفي صحيح البخاري مسندا إلى السائب بن يزيد قال: «كان النداء ليوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر» فلما كان عثمان وكثر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء قال البخاري الزوراء موضع بالسوق بالمدينة، وفي فتح القدير، وقد تعلق بما ذكرنا بعض من نفى أن للجمعة سنة فإنه من المعلوم: «أنه كان عليه السلام إذا رقي المنبر أخذ بلال في الأذان فإذا أكمله أخذ عليه السلام في الخطبة» فمتى كانوا يصلون السنة ومن ظن أنهم إذا فرغ من الأذان قاموا فركعوا فهو من أجهل الناس وهذا مدفوع بأن خروجه عليه السلام كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع ويجب الحكم بوقوع هذا المجوز لما قدمنا من عموم أنه {كان عليه السلام يصلي إذا زالت الشمس أربعا»، وكذا يجب في حقهم؛ لأنهم أيضا يعلمون الزوال كالمؤذن بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن ا هـ. والمراد من البيع ما يشغل عن السعي إليها حتى لو اشتغل بعمل آخر سوى البيع فهو مكروه أيضا كذا في السراج الوهاج وأشار بعطف ترك البيع على السعي إلى أنه لو باع أو اشترى حالة السعي فهو مكروه أيضا وصرح في السراج الوهاج بعدمها إذا لم يشغله وصرح بالوجوب ليفيد أن الاشتغال بعمل آخر مكروه كراهة تحريم؛ لأنه في رتبته ويصح إطلاق اسم الحرام عليه كما وقع في الهداية وبه اندفع ما في غاية البيان من أن فيه نظرا؛ لأن البيع وقت الأذان جائز لكنه مكروه فإن المراد بالجواز الصحة لا الحل وبه اندفع أيضا ما ذكره القاضي الإسبيجابي من أن البيع وقت النداء مكروه للآية، ولو فعل كان جائزا والأمر بالسعي من الله تعالى على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب ا هـ. فإنه يفيد أن الكراهة تنزيهية، وليس كذلك بل تحريمية اتفاقا؛ ولهذا وجب فسخه لو وقع، وأيضا قوله أن الأمر بالسعي للندب غير صحيح؛ لأنهم استدلوا به على فرضية صلاة الجمعة فعلم أنه للوجوب وقول الأكمل في شرح المنار إن الكراهة تنزيهية مردود لما علمت، وإنما لم يقل ويفترض السعي مع أنه فرض للاختلاف في وقته هل هو الأذان الأول أو الثاني أو العبرة لدخول الوقت في المضمرات والذي يبيع ويشتري في المسجد أو على باب المسجد أعظم إثما وأثقل وزرا. (قوله: فإذا جلس على المنبر أذن بين يديه وأقيم بعد تمام الخطبة) بذلك جرى التوارث، والضمير في قوله بين يديه عائد إلى الخطيب الجالس، وفي القدوري بين يدي المنبر، وهو مجاز إطلاقا لاسم المحل على الحال كما في السراج الوهاج فأطلق اسم المنبر على الخطيب، وفي كثير من الكتب لو سمع النداء وقت الأكل يتركه إذا خاف فوت الجمعة كخروج وقت المكتوبات بخلاف الجماعة في سائر الصلوات، وفي المحيط وغيره ويستحب لمن حضر الجمعة أن يدهن ويمس طيبا إن وجده ويلبس أحسن ثيابه ويغتسل ويجلس في الصف الأول؛ لأن الصلاة فيه أفضل ثم تكلموا في الصف الأول قيل هو خلف الإمام في المقصورة وقيل ما يلي المقصورة وبه أخذ الفقيه أبو الليث؛ لأنه يمنع العامة عن الدخول في المقصورة فلا تتوصل العامة إلى نيل فضيلة الصف الأول ومن مات يوم الجمعة يرجى له فضل، وفي البدائع وينبغي للإمام أن يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة مقدار ما يقرأ في صلاة الظهر، ولو قرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين أو في الأولى ب {سبح اسم ربك الأعلى}، وفي الثانية بسورة {هل أتاك حديث الغاشية} فحسن تبركا بفعله عليه السلام ولكن لا يواظب على قراءتها بل يقرأ غيرها في بعض الأوقات كي لا يؤدي إلى هجر الباقي ولا يظنه العامة حتما، وفي الخلاصة، ولا يحل للرجل أن يعطي سؤال المساجد هكذا ذكر في الفتاوى قال الصدر الشهيد المختار أن السائل إذا كان لا يمر بين يدي المصلي، ولا يتخطى رقاب الناس، ولا يسأل إلحافا ويسأل لأمر لا بد له منه لا بأس بالسؤال والإعطاء وإذا حضر الرجل الجامع، وهو ملآن إن تخطى يؤذي الناس لم يتخط، وإن كان لا يؤذي أحدا بأن كان لا يطأ ثوبا ولا جسدا فلا بأس بأن يتخلى ويدنو من الإمام وعن أصحابنا بأنه لا بأس بالتخطي ما لم يأخذ الإمام في الخطبة - والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
|